الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: أدب الكتاب ***
قد ذكرنا من فضل القلم، في أول الكتاب، ما يغني عن إعادته. وقال أحمد بن يوسف: "القلم لسان البصر يناجيه بما استتر عن الأسماع، إذا نسخ حلله، وأودعها حكمه". وقال ابن المقفع: القلم بريد القلب" وقال أبو دلف: "القلم صائغ الكلام ويفرغ ما يجمعه العلم". وقال الجاحظ: "الدواة منهل، والقلم ماتح، والكتاب عطن". وقال سهل بن هارون: "القلم أنف الضمير، إذا رعف أعلن أسراره، وأبان آثاره". وقال عمرو بن مسعدة: "الأقلام مطايا الفطن". وقال المأمون: "لله در القلم، كيف يحوك وشي المملكة". وقال جالينوس: "القلم طبيب المنطق" فوصفه من جهة صناعته. وقال أحمد بن عبد الله: "القلم راقد في الأفئدة. مستيقظ في الأفواه". وقيل: "عقول الرجال تحت أقلامها". وقال آخر: "القلم أصم يسمع النجوى. وأخرس يفصح بالدعوى. وجاهل يعلم الفحوى". وقال أحمد بن يوسف: "عبرات الأقلام في خدود كتبتها أحسن من عبرات الغواني في صحون خدودها. وقال العتابي: "الأقلام مطايا الأذهان". وقال عبد الحميد: "القلم شجرة ثمرتها الألفاظ، والفكر بحر لؤلؤه الحكمة". وقيل: "بري القلم تروى القلوب الظمئة". وقال ابن المقفع: "القلم بريد القلب يخبر بالخبر، وينظر بلا نظر". وقال ابن أبي دؤاد: "القلم سفير العقل، ورسوله الأنبل، ولسانه الأطول وترجمانه الأفضل". وقال ابن أبي دؤاد: "القلم الدنيا والآخرة". وقال آخر: "بنوء القلم تصوب الحكمة". وقال ابن ميثم: "من جلالة شأن القلم أنه لم يكتب لله تعالى كتاب قط إلا به". وحدثني الحسين بن عمر ويعقوب بن بيان، قالا: حدثنا علي بن الحسين بن عبد الأعلى، قال: كتب عبد الله بن طاهر إلى إسحاق بن إبراهيم، من خراسان إلى بغداد أن يوجه إليه بأقلام قصبية، كتاباً نسخته. بسم الله الرحمن الرحيم، أما بعد، فإنا على طول الممارسة لهذه الكتابة التي غلبت على الاسم، ولزمت لزوم الوشي، فحلت محل الأنساب، وجرت مجرى الألقاب. وجدنا الأقلام القصبية أسرع في الكواغد وأمر في الجلود. كما أن البحرية منها أسلس في القراطيس، وألين في المعاطف، ولكل عن تمريقها والتعلق بما ينبو من شظاياها ونحن في بلاد قليلة القصب رديء ما يوجد منها، فأحببت أن تتقدم في اختيار أقلام قصبية، وتتنوق في انتقائها قبلك، وطلبها من مظانها، ومرامها من شطوط الأنهار، وأرجاء الكروم. وأن تتيمم باختيارك منها الشديدة المحبس، الصلبة المغص، النقية الجلود، الغليظة الشحوم، المكتنزة الجوانب، الضيقة الأجواف، الرزينة الوزن فإنها أبقى على الكتاب، وأبعد من الحفاء. وأن تقصد بانتقائك الدقاق القضبان، اللطاف المنظر، المقومات الأود، الملمس العقد، "فلا يكون فيه التواء عوج ولا أمت. وضم الصافية القشور، الخفيفة الأتن، الحسنة الاستدارة"، الطويلة الأنابيب، البعيدة ما بين الكعوب، الكريمة الجواهر، المعتدلة القوام، يكاد أسفلها يهتز من أعلاها، لاستواء رؤوسها بأصولها، المستحكمة يبساً، القائمة على سوقها، قد تشربت الماء في لحائها، وانتهت في النضج منتهاها، لم تعجل عن تمام مصلحتها، وإبان ينعها، ولم تؤخر إلى الأوقات المخوفة عاهاتها من خصر الشتاء، وعفن الأنداء. فإذا استجمعت عندك أمرت بقطعها ذراعاً ذراعاً قطعاً دقيقاً تتحرز معه من أن تتشعث رؤوسها وتنشق أطرافها. ثم عبأت منها حزماً فيما يصونها من الأوعية، وعليتها الخيوط الوثيقة، ووجهتها مع من يحتاط في حراستها وحفظها وإيصالها، إذ كان مثلها يتوانى فيه لقلة خطرها. واكتب معه بعدتها وأصنافها، وأجناسها وصفاتها، على الاستقصاء؛ من غير تأخير ولا توان ولا إبطاء، إن شاء الله. فأجابه إسحاق - ووجه إليه بالأنابيب - وليس بالجواب مما سمعته، إنما وجدته في كتاب: أتاني كتاب الأمير بما أمر به، ولخصه من البعثة إليه، بما شاكل نعته، وضاهى صفته، من أجناس الأقلام. فتيممت بغيته قاصداً لها، واستنهجت معالم سؤاله آخذاً بها، فأنفذت منها حزماً نشأت بليف السقيا، وحسن التعهد والبقيا. لم تعجل بأخداجها، ولا بودرت قبل إنضاحها. فهي مستوية الأنابيب معتدلتها، متفقة الكعوب مقومتها. لا يرى فيها أمت زور، ولا وسم صعر. وقد رجوت أن يجدها الأمير عند إرادته، وحسب بغيته. إن شاء الله. حدثنا أحمد بن إسماعيل قال: أهدى مهد أقلاماً وكتب: أنه لما كانت الكتابة قوام الخلافة، وزينة الرياسة، وعمود المملكة، وأعظم الأمور الجليلة غايةً؛ أحببت أن أتحفك من آلتها بما يخفف عليك محمله، وتقل مع ذلك قيمته، ويكثر نفعه، ويصغر خطره. فبعثت إليك أقلاماً من القصب النابت في الأعذاء، المغذوة بماء السماء. كاللآلي المكنونة في الصدف، والأحجار المحجوبة بالسدف. تنبو عن تأثير الأسنان، ولا يثنيها غمز البنان. قد كستها طبائعها جوهراً كالوشي الخطير، وفرند الديباج المنير. فهي كما قال الكميت: وبيض رقاق صفاح المتون *** تسمع للبيض فيها صريرا مهندة من عتاد الملوك *** يكاد سناهن يغشي البصيرا وكقداح النبل في ثقل أوزانها، وقضب الخيرزان في اعتدالها، ووشيج الخطي في أطرادها، كأنما خرطت في شهر لاستدارتها. تمر في القرطاس كالبرق اللامح، وتجري في الصحف كالماء السائح. أحسن من العقبان، في رقاب القيان. وقيل: المختار من بري القلم أن تطيل السنين وتسمنهما، وتحرف القطة وتيمنها، وتفرق بين السطور، وتجمع بين الحروف منها. ولا تقط مبلولاً حتى يجف لئلا يتشظى. حدثنا الحسين بن يحيى، قال: انكسر قلم لبعض الكتاب فرثاه بأبيات فقال: ما عيب طولاً ولم يعب قصراً *** عري من دقة ومن عظم كان إذا ما تضايقت سبل ال *** لفظ كفاني مخارج الكلم لا حصر القول عند خطبته *** وليس في قوله بمتهم وجاء يوماً عبد الله بن المعتز في المسجد الجامع إلى أبي العباس أحمد بن يحيى ليسلم عليه، فقام له وأجلسه مكانه، فداس ابن المعتز قلماً فكسره فلما جلس قال لمن حوله: لكفي وتر عند رجلي لأنها *** أثارت قتيلاً ما لأعظمه جبر فعجب الناس من سرعة بديهته!. أهدى رجل إلى إبراهيم بن المدبر قلماً وكتب إليه: قد وجهت إليك - أعزك الله - بمفاتح العلوم باد جمالها، تام كمالها، فهي كما قال الشاعر: ليس فيها ما يقال له *** كملت لو أن ذا كملا كل جزء من محاسنها *** كائن من حسن مثلا حدثنا أبو العباس الربعي، قال: حدثنا الطلحي، قال: حدثنا أبو العباس الربعي، قال: حدثنا الطلحي، قال: حدثني أحمد بن إبراهيم قال دخل إلى الرشيد أعرابي فأنشده ارجوزة - واسماعيل بن صبيح يكتب بين يديه كتاباً، وكان أحسن الناس خطاً، وأسرعهم يداً - فقال الرشيد للأعرابي: "صف هذا"، فقال: "ما رأيت أطيش من قلمه. ولا أثبت من حلمه". ثم قال: رقيق حواشي الحلم حين تثوره *** يديك الهوينا والأمور تطير له قلما بؤسى ونعمى كلاهما *** سحابته في الحالتين ذرور يناجيك عما في ضميرك لحظه *** ويفتح باب النجح وهو عسير فقال الرشيد "قد وجب لك يا أعرابي عليه حق هو يقضيك إياه، وحق علينا فيه نحن به. ادفعوا إليه دية الحر"، فقال له: "على عبدك دية العبد". ومن مليح ما في القلم ما أنشدناه محمد بن زياد الزيادي، لعمر بن إبراهيم بن حبيب العدوي يرثي قلماً له سرق: يا عين جودي بواكف سجم *** جودي بدمع مشبع بدم لا تطعمني عقدة وكيف وقد *** أسيت حرى لفجعة القلم جودي على الناطق البليغ إذا اس *** تنطق من غير منطق وفم لا حصر القول عند خطبته *** وليس في حكمه بمتهم حلت عرى الحزم منه جانحة *** ضمت بها عربها إلى العجم أصفر في حمرة كأن على *** جلدته بردة كلون دم إذ أنها والقرطاس لاح له *** مج عليه حنادس الظلم ما عيب طولاً ولم يعب قصراً *** عري من دقة ومن عظم إن قدح العائبون فيه بأن *** صم فأكرم به أخا صمم كان إذا ما تضايقت سبل ال *** لفظ كفاني مخارج الكلم حسبك منه لسان مطلع آل *** ناظر في ظاهر ومكتتم ينبيك إن لجلج الغبي بما *** أضمر من خبر عالم فهم فاذهب حميداُ كما قد فقدت وما *** فقدت منا مناعت الكرم حدثني يعقوب بن بيان الكاتب قال: قال بعض الكتاب: "القلم الرديء كالولد العاق". وقالوا: "القلم أحد اللسانين، والعلم أحد الأبوين، والتثبت أحد العفوين، والمطل أحد المنعين وقلة العيال أحد اليسارين، والقناعة أحد الرزقين، والوعيد أحد الضربين، والإصلاح أحد الكسبين، والرواية أحد الهاجيين، والهجر أحد الفراقين، واليأس أحد النجحين، والمزاح أحد السبابين". وقال: "القلم لسان اليد". وفاخر صاحب سيف صاحب قلم، فقال صاحب القلم: "أنا أقتل بلا غرر، وأنت تقتل على خطر". فقال صاحب السيف: "القلم خادم السيف، فإن بلغ مراده وإلا فإلى السيف معاده. أما سمعت قول أبي تمام: السيف أصدق أنباء من الكتب *** في حده الحد بين الجد واللعب وقال آخر: "مساق أمر الدنيا بسين وقاف فيقال سق" يريد السيف والقلم. حدثني وكيع قال: حدثني جعفر بن كوال قال: سمعت بشر بن الحارث يقول: "لسان الإنسان قلم ملكه الموكل به ومداده، وقرطاسه جلده، يملي عليه كتاباً إلى ربه. فلينظر الإنسان قبل فوت النظر ماذا يملي". قال أبو تمام: لك القلم الأعلى الذي بشباته *** تصاب من الأمر الكلى والمفاصل لعاب الأفاعي القاتلات لعابه *** وأري الجنى اشتارته أيد عواسل له ريقه طل ولكن وقعها *** بآثاره في الشرق والغرب وابل فصيح إذا استنطقته وهو راكب *** وأعجم إن خاطبته وهو راجل إذا ما امتطى الخمس اللطاف وأفرغت *** عليه شعاب الفكر وهي حوافل إذا استغزر الذهن الذكي وأقبلت *** أعاليه في القرطاس وهي سوافل وقد رفدته الخنصران وسددت *** ثلاث نواحيه الأنامل رأيت جليلاً شأنه وهو مرهف *** ضنى وسميناً خطبه وهو ناحل وقال أحمد بن إسماعيل: أحسن قدود القلم، أن لا يجاوز به الشبر بأكثر من خلقته، وأن تبعد منه الأنامل الثلاث، ويؤخذ من أوسطه لأنها إذا أدنيت منها لم تؤمن أن يماس القرطاس بها فتسوده. وقد مدح الشاعر بعض الكتاب بنحو من وصفه هذا فقال: شريف الصناعة محمودها *** تساعده الكف والمقول يقيم من الخط أشكاله *** ويأخذ أقلامه من عل وقال غيره يصفه بمقدار الشبر: له ترجمان يطرب اللفظ أخرس *** على حذو شبر أو يزيد على الشبر له منخر في غير وجه ويهتدى *** بمر جناحين استعيرا من الفكر إذا خر يوماً ساجداً عند وحيه *** تضعضع أصحاب المثقفة السمر يدمر أقواماً وينعش معشراً *** ويصدر آراء الملوك وما يدري قال أبو بكر: ولي من قصيدة في بعض الرؤوساء أذكر هذا المعنى: يتفادى أعداؤه من خطيب *** بيديه يروض عقلاً وفكرا ناحل الجسم ليس يعرف من كا *** ن نعيماً وليس يعرف ضرا ناطق في الورى بلفظ سواه *** مذهب اللون قد تطرف جرا قلم يجلب السواد ويجري *** مع جري المداد نفعاً وضرا ضامر الكشح مخطف الجيد م *** ذ حذف شابوره وقدر شبرا ويد ما تزال تنتشر وشياً *** في قراطيسه وتنثر درا وقال الفضفاضي: في كفه أخرس ذو منطق *** بقافه واللام والميم شبر إذا قيس ولكنه *** في فعله مثل الأقاليم محرف الرأس ومسوده *** كإبرة الروس من الريم قال أبو بكر محمد بن يحيى الصولي: قلت قول عدي بن الرقاع العاملي، في صفة طرف قرن الرشا، وهو ولد الظبي، وتشبيهه بالقلم قال عدي: تزجي أغن كأن إبرة روقه *** قلم أصاب من الدواة مدادها ويروى أن جريراً قال - وكان حاضراً - لعدي وهو ينشد هذه القصيدة، لما أنشد صدر البيت: "تزجي أغن كأن إبرة روقه". رحمته وقلت هلك فلما قال: "قلم أصاب من الدواة مدادها" حالت الرحمة حسداً. وأخذ البيت الثاني من هذه الثلاثة أبيات ابن الرومي فقال يهجو ويصف هن امرأة:
يملأ السبعة الأقاليم طراً *** وهو في إصبعين من إقليم ولحمدان الدمشقي من أبيات: أهدت له الحية الرقشاء جلدتها *** لما استعارت لساناً منه مقدودا وله في نحو هذا البيت: الأيم نفثته وشق لسانه *** وله إذا لم تجره اطراقه فكأنه النضناض إلا أنه *** من حيث يجري سمه ترياقه وقال غيره من أبيات: ولأقلامهم زئير مهيب *** يزدري عنده زئير الأسود أرغبتهم عن القنا قصبات *** مغنيات عن كل جيش مقود والقراطيس خافقات بأيد *** يهم كمرهوب خافقات البنود وكتبت إلى أبي علي محمد بن علي في أيام ابن الفرات الأولى بقصيدة منها: مشف على الرأي نظار عواقبه *** إذا تشابه وجه الرأي واجتجبا في كفه صارم لانت مضاربه *** يسوسنا رغباً إن شاء أو رهبا السيف والرمح حدام له أبداً *** لا يبلغان له جداً ولا لعباً يرمي فيرضيهما عن كل مجترم *** ويعصيان على ذي النصح إن غضبا تجري دماء الأعادي بين أسطره *** ولا يحس له صوت إذا ضربا فما رأينا مداداً قبل ذاك دماً *** ولا رأينا حساماً قبل ذا قصبا وقد شككنا فما ندري لشربته *** أنظم الدر في القرطاس أن كتبا وقال آخر في سفر طويل: وعاشق تحت رواق الدجى *** أغرى به الحيرة فقدان أعرب عن مكنون إضماره *** أحوى لطيف الكشح خمصان يتيح غدراً لثرى جادها *** من باكر الوسمي هتان يحوك وشياً نقش ديباجه *** بلاغة تسدى وبرهان وفيه للناظر أعجوبة *** يكسو عراة وهو عريان كأنما الدنيا بأقطارها *** له إذا ما أجبت ميعان تجري به خمس مطايا له *** مختلفات القصد أقران كأنها من ضم تركيبها *** من خالص الفضة قضبان له لسان مرهف خده *** من ريقة الكرسف ريان في دقة المعنى إذا أغرقت *** القول في التدقيق أذهان كأنما يفتر عنه إذا *** ما افتر للمنطق ثعبان ترى بسيط الفكر في نظمه *** شخصاً له حد وجثمان كالحلي إلا أنه أحرف *** بيض المعاني وهي سودان كأنما يسحب في إثرها *** ذيلاً من الحكمة سحبان لولاه ما قام منار الهدى *** ولا سما بالملك ديوان وقال أبو يزيد عتاب بن ورقاء: لك القلم الذي لم يجري إلا *** أبان لك العدو من الولي إذا استرعفته ألقى سواداً *** على القرطاس أبهر من حلي فيا طوبى لمن أدلى إليه *** بإحسان وويل للمسي شباة سنانه في الحرب أمضى *** وأنفذ من شباة السمهري فقال:سلاح مثلك وهو يعزى *** سلاح الفارس البطل الكمي وأنشدني عون: وأسمر طاوي الكشح أخرس ناطق *** له ذملان في بطون المهارق إذا استمطرته الكف جاد سحابه *** بلا صوت إرعاد ولا صوت بارق كان اللآلي والزبرجد نظمه *** ونور الأقاحي في بطون الحدائق كان عليه من دجى الليل حلة *** إذا ما استهلت مزنة للصواعق إذا ما امتطى غر القوافي رأيتها *** مجللة تمضي أمام السوابق وأنشدني عون للفضفاضي: لك القلم الذي لم يجر يوماً *** لغاية منطق فكبا لعي ومبتسم من القرطاس يأسو *** ويخرج وهو ذو بال رخي فما المقدار أمضى من شباه *** ولا الصمصام سيف المذحجي قال أبو بكر: ولي من قصيدة، مدحت بها ابن الفرات، في وزارته الأولى: في يديه محكم في ذوي اللب *** وما فيه إن تبينت لب شهد السيف أنه السيف حقاً *** ناقص القدر زائد الحد عضب وسيوف العداة انفذ جداً *** حين تعدى بدرة الموت حرب من رأى مثل ما وصفت حساماً *** نافذ ضربه وما منه ضرب كل يوم له ولم يلق كيداً *** من دماء العصاة ولع وخضب قال أبو بكر: ولي من قصيدة طويلة مدحت بها بعض الرؤساء: في يدك الأعلى محلى به *** تواصل الضرب مع الطعن إن نبه السيف لأمر له *** جاء إليه مرعد المتن ينظر ما يهوى بلا ناظر *** ويسمع السر بلا أذن يذري دموع العاشق المبتلى *** يطعن من يهواه في الطعن فيضحك الملك بكاء له *** لم يك من غم ولا حزن ترى لديه فصحاء الورى *** إذا امتطى القرطاس كاللكن سيف على الأعداء لكنه *** لم يغتمضه ظلم الجفن وأنشدني أحمد بن محمد بن إسحاق: ما ضر من أضنى بهجرانه *** قلب كئيب القلب حرانه لو فرج الكربة عن مدنف *** تشقه لوعة أحزانه برقعة ينظمها كفه *** نظم لآليه ومرجانه بمرهف الأحشاء ذي حلة *** موشية ترفع من شانه لعابه عيش وموت إذا *** جاد به تفليج أسنانه إذا امتطاه بشبيهاته *** كشف أسراراً بإعلانه يركض في ميدان قرطاسه *** ركض جواد وسط ميدانه حدثنا أحمد بن أبي الموج البازي قال: أنشدني الحسين بن عبد الله العبدي الهمداني لنفسه: حين نادى حاديهم بانطلاق *** وجرى بالفراق طير الفراق ورأى العاشقون أن لا معين *** هو أجدى من عبرة واحتراق ظلت أشكو صبابتي وإنني *** متحل بحيلة العشاق ناحل جسمه كأن يد البي *** ن سقته منه بكأس دهاق أخرس في لسانه للعطايا *** والمنايا عتاد ريق مراق فإذا مجه أتى بلعاب ال *** ليل حلو الخطاب مر المذاق وشبيهاته ثلاث حوته *** هن منه مفاتح الأرزاق يمتطيهن ثم يرتجل القول *** لفصل الخطاب في الآفاق فتراه بمصر يحكم ما شا *** ء وبالصين وهو خلف العراق وله في صفة القلم أبيات من قصيدة في بعض الرؤساء: له القلم الأعلى الذي سار عدله *** وتدبيره ما بين بر إلى بحر يشابه حد السيف رقة حده *** وينسب لوناً في المثقفة السمر ويبلغ ما لم يبلغا في عدوه *** إذا رد من طي الدواة إلى النشر تصرفه منه ثلاث أصابع *** وكف براها الله للنفع والضر إذا ما حوته وامتطى بطن مهرق *** تسطر نوراً فوق أرض من الدر إذا أظلم الدهر الخؤون بصرفه *** أبان له إحسانه وضح الفجر قال أبو بكر: وكنت أنشدت العباس بن الحسن قصيدة استحسنها الناس، ووصفوا بيتاً فيها عنده أخذه ذكرويه: المستبيح سن القرامط راية *** لما استباحوا حرمة الإسلام أجرى المداد بكيدهم فكأنما *** أجرى دمائهم على الأقلام حدثني محمد بن أحمد الأنصاري، قال: دخل عيسى بن فرخانشاه على جارية وهي تكتب خطاً حسناً فقال: سريعة جري الخط تنظم لؤلؤاً *** وينثر دراً لفظها المترشف وزادت لدنيا حظوة ثم أقبلت *** وفي إصبعيها أسمر اللون مرهف أصم سميع ساكن متحرك *** ينال جسيمات المدى وهو أعجف وقال بعض الوراقين يصف قلمه ويمدحه ويذكر استغناءه: يا مجيري من سطوة الأمراء *** وعميدي في نوبة اللأواء والذي صان حر ديباجة الوج *** ه عن الأسخياء والبخلاء والذي لا أزال أنعت في الشعر وأطريه غاية الإطراء وسفيري بما أريد من الأم *** ر إلى إخوتي من الأدباء والذي لا يزال يخبر في المهرق عن سالف الأنباء وإذا ما ابتعثته استن كالثا *** قب يفري دجنة الظلماء وقال عبد الله بن المعتز في القاسم بن عبيد الله: قلم ما أراه أو فلك يج *** ري بما شاء قاسم ويدور راكع ساجد يقلب قرطا *** ساً كما قلب البساط شكور وفيه يقول: عليم بأعقاب الأمور كأنه *** لمختلفات الظن يسمع أو برى إذا أخذ القرطاس خلت يمينه *** يفتح نوراً أو ينظم جوهرا وقال ابن الرومي فأحسن: لعمرك ما السيف سيف الكمي *** بأخوف من قلم الكاتب له شاهد إن تأملته *** ظهرت على سره الغائب أراه المنية من جاني *** ه فمن مثله رهبة الراهب ألم تر في صدره كالسنان *** وفي الردف كالمرهف القاضب وقال أبو أسامة الكاتب كاتب عياض: وأعجف مشتق الشباة مقلم *** موشي القرى طاوي الحشا أسود الفم تبين خفي السر آثاره لنا *** ويعرب عن غير الضمير المكتم يؤدي صحيح القول عنه مخاطباً *** به العين دون السمع لا بالتكلم إذا استغزرته الكف فاضت سجاله *** من الفكر فيض الرايح المتغيم وقال صالح بن عبد الملك بن صالح يخاطب كاتب أبيه: أجريت فوق صدور كتبك دامغاً *** يبكيه ضحك الفكر والأوهام ميتاً تشافهه القلوب بعلمها *** يبدي ضمائرها بغير كلام مستعجماً فإذا اللواحظ ترجمت *** عنه أتى بفصاحة الأعجام تجري سناكب بغير حوافر *** فيديرنا ورداً بغير لجام قال: ودخل محمد بن ذؤيب العماني الراجز على الرشيد، فأنشده أرجوزة يصف فيها فرساً شبه أذنيه فيها بقلم محرف: كأن أذنيه إذا تشوفا *** قادمة أو قلماً محرفا فقال له الرشيد: دع كأن، وقل: "تخال أذنيه إذا تشوفا" حتى يستوي الإعراب.
|